سورة فاطر - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (فاطر)


        


{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)}
{فَاطِرَ السماوات} مبتدئها ومبتدعها.
وعن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما: ما كنت أدري ما فاطر السموات والأرض، حتى اختصم إليَّ أعرابيان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها، أي ابتدأتها. وقرئ: الذي فطر السموات والأرض وجعل الملائكة. وقرئ: (جاعل الملائكة)، بالرفع على المدح {رُسُلاً} بضم السين وسكونها {أُوْلِى أَجْنِحَةٍ} أصحاب أجنحة، وأولوا: اسم جمع لذوو، كما أن أولاء اسم جمع لذا، ونظيرهما في المتمكنة: المخاض والخلفة {مثنى وثلاث وَرُبَاعَ} صفات لأجنحة، وإنما لم تنصرف لتكرر العدل فيها، وذلك أنها عدلت عن ألفاظ الأعداد عن صيغ إلى صيغ أخر، كما عدل عمر عن عامر، وحذام عن حاذمة، وعن تكرير إلى غير تكرير، وأما الوصفية فلا يفترق الحال فيما بين المعدولة والمعدول عنها. ألا تراك تقول: مررت بنسوة أربع، وبرجال ثلاثة، فلا يعرج عليها؛ والمعنى: أن الملائكة خلقاً أجنحتهم اثنان اثنان، أي: لكل واحد منهم جناحان، وخلقاً أجنحتهم ثلاثة ثلاثة. وخلقاً أجنحتهم أربعة أربعة {يَزِيدُ فِي الخلق مَا يَشَاء} أي: يزيد في خلق الأجنحة، وفي غيره ما تقتضيه مشيئته وحكمته. والأصل الجناحان: لأنهما بمنزلة اليدين، ثم الثالث والرابع زيادة على الأصل، وذلك أقوى للطيران وأعون عليه، فإن قلت: قياس الشفع من الأجنحة أن يكون في كل شقّ نصفه، فما صورة الثلاثة؟ قلت: لعل الثالث يكون في وسط الظهر بين الجناحين يمدّهما بقوة. أو لعله لغير الطيران؛ فقد مرّ في بعض الكتب أن صنفاً من الملائكة لهم ستة أجنحة فجناحان يلفون بها أجسادهم، وجناحان يطيران بهما في الأمر من أمور الله، وجناحان مرخيان على وجوههم حياء من الله.
وعن رسو ل الله صلى الله عليه وسلم: «أنه رأى جبريل عليه السلام ليلة المعراج وله ستمائة جناح» وروي: «أنه سأل جبريل عليه السلام أن يتراءى له في صورته فقال: إنك لن تطيق ذلك. قال: إني أحب أن تفعل. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مقمرة، فأتاه جبريل في صورته فغشي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم أفاق وجبريل عليه السلام مسنده وإحدى يديه على صدره والأخرى بين كتفيه، فقال: سبحان الله ما كنت أرى أن شيئاً من الخلق هكذا. فقال جبريل: فكيف لو رأيت إسرافيل: له اثنا عشر جناحاً: جناح منها بالمشرق، وجناح بالمغرب، وإن العرش على كاهله، وإنه ليتضاءل الأحايين لعظمة الله حتى يعود مثل الوصع وهو العصفور الصغير».
وروي: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {يَزِيدُ في الخلق مَا يَشَاء}: «هو الوجه الحسن، والصوت الحسن، والشعر الحسن» وقيل: {الحظ الحسن}، وعن قتادة: الملاحة في العينين، والآية مطلقة تتناول كل زيادة في الخلق: من طول قامة، واعتدال صورة، وتمام في الأعضاء؛ وقوة في البطش؛ وحصافة في العقل، وجزالة في الرأي، وجراءة في القلب، وسماحة في النفس، وذلاقة في اللسان ولباقة في التكلم، وحسن تأنّ في مزاولة الأمور؛ وما أشبه ذلك مما لا يحيط به الوصف.


{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)}
استعير الفتح للإطلاق والإرسال. ألا ترى إلى قوله: {فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ} مكان: لا فاتح له، يعني: أي شيء يطلق الله من رحمة أي من نعمة رزق أو مطر أو صحة أو أمن أو غير ذلك من صنوف نعمائه التي لا يحاط بعددها، وتنكيره الرحمة للإشاعة والإبهام، كأنه قال: من أية رحمة كانت سماوية أو أرضية، فلا أحد يقدر على إمساكها وحبسها، وأيّ شيء يمسك الله فلا أحد يقدر على إطلاقه.
فإن قلت: لم أنث الضمير أوّلاً، ثم ذكر آخراً؟ وهو راجع في الحالين إلى الاسم المتضمن معنى الشرط؟ قلت: هما لغتان: الحمل على المعنى وعلى اللفظ، والمتكلم على الخيرة فيهما، فأنث على معنى الرحمة، وذكر على أن لفظ المرجوع إليه لا تأنيث فيه، ولأن الأوّل فسر بالرحمة، فحسن اتباع الضمير التفسير، ولم يفسر الثاني فترك على أصل التذكير وقرئ: {فلا مرسل لها}.
فإن قلت: لابد للثاني من تفسير، فما تفسيره؟ قلت: يحتمل أن يكون تفسيره مثل تفسير الأول. ولكنه ترك لدلالته عليه، وأن يكون مطلقاً في كل ما يمسكه من غضبه ورحمته، وإنما فسر الأوّل دون الثاني للدلالة على أن رحمته سبقت غضبه.
فإن قلت: فما تقول فيمن فسر الرحمة بالتوبة وعزاه إلى ابن عباس رضي الله عنهما؟ قلت: إن أراد بالتوبة الهداية لها والتوفيق فيها- وهو الذي أراده ابن عباس رضي الله عنهما إن قاله- فمقبول؛ وإن إراد أنه إن شاء أن يتوب العاصي تاب، وإن لم يشأ لم يتب؛ فمردود؛ لأنّ الله تعالى يشاء التوبة أبداً، ولا يجوز عليه أن يشاءها {مِن بَعْدِهِ} من بعد إمساكه، كقوله تعالى: {فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ الله} [الجاثية: 23]، {فَبِأَىّ حَدِيثٍ بَعْدَ الله} [الجاثية: 6] أي من بعد هدايته وبعد آياته {وَهُوَ العزيز} الغالب القادر على الإرسال والإمساك {الحكيم} الذي يرسل ويمسك ما تقتضي الحكمة إرساله وإمساكه.


{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (3)}
ليس المراد بذكر النعمة ذكرها باللسان فقط، ولكن به وبالقلب، وحفظها من الكفران والغمط وشكرها بمعرفة حقها والاعتراف بها وطاعة موليها. ومنه قول الرجل لمن أنعم عليه: اذكر أياديّ عندك. يريد حفظها وشكرها والعمل على موجبها، والخطاب عام للجميع لأنّ جميعهم مغمورون في نعمة الله.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: يريد: يا أهل مكة اذكروا نعمة الله عليكم، حيث اسكنكم حرمة ومنعكم من جميع العالم، والناس يتخطفون من حولكم. وعنه: نعمة الله العافية. وقرئ: {غير الله} بالحركات الثلاث؛ فالجرّ والرفع على الوصف لفظاً ومحلاً، والنصب على الاستثناء.
فإن قلت: ما محل {يَرْزُقُكُمْ}؟ قلت: يحتمل أن يكون له محل إذا أوقعته صفة لخالق وأن لا يكون له محل إذا رفعت محل من خالق، بإضمار يرزقكم، وأوقعت يرزقكم تفسيراً له، أو جعلته كلاماً مبتدأ بعد قوله: {هَلْ مِنْ خالق غَيْرُ الله}.
فإن قلت: هل فيه دليل على أنّ الخالق لا يطلق على غير الله تعالى؟ قلت: نعم إن جعلت {يَرْزُقُكُمْ} كلاماً مبتدأ وهو الوجه الثالث من الأوجه الثلاثة. وإمّا على الوجهين الآخرين: وهما الوصف والتفسير. فقد يقيد فيهما بالرزق من السماء والأرض، وخرج من الإطلاق، فكيف يستشهد به على اختصاصه، بالإطلاق؛ والرزق من السماء المطر، ومن الأرض النبات {لاَ إله إِلاَّ هُوَ} جملة مفصولة لا محل لها من الإعراب، مثل: يرزقكم في الوجه الثالث، ولو وصلتها كما وصلت يرزقكم لم يساعد عليه المعنى؛ لأن قولك: هل من خالق آخر سوى الله لا إله إلاّ ذلك الخالق: غير مستقيم: لأن قولك: هل من خالق سوى الله إثبات لله. فلو ذهبت تقول ذلك: كنت مناقضاً بالنفي بعد الإثبات {فأنى تُؤْفَكُونَ} فمن أي وجه تصرفون عن التوحيد إلى الشرك؟.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7